فصل: الجملة الثالثة في بيان موضعها من المكتوب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)



.الجملة الثالثة في بيان موضعها من المكتوب:

ويتعلق به أمران:
الأمر الأول: تقدمها في الكتابة:
فيجب تقديمها في أول الكلام المقصود، من مكاتبةٍ أو ولايةٍ أو منشورٍ إقطاع أو غير ذلك، تبركاً بالابتداء بها وتيمناً بذكرها، وعملاً بالأخبار والآثار المتقدمة في الجملة الأولى. على أنه قد اختلف في معنى قوله تعالى حكايةً عن بلقيس حين ألقي إليها كتاب سليمان عليه السلام: {إني ألقي إلي كتابٌ كريمٌ * إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم * ألا تعلو علي وأتوني مسلمين}: فذهب بعض المفسرين إلى أن قوله: {إنه من سليمان} من كلام بلقيس، وإنها حكت الكتاب بقولها: وإنه بسم الله الرحمن الرحيم إلى آخر الآية، فيكون ابتداء الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم، ويكون ذلك احتجاجاً على وجوب تقديمها. وذهب آخرون إلى أن قوله: {إنه من سليمان} بداية كتاب سليمان، فيكون سليمان عليه السلام، قد بدأ في كتابه باسمه. فإن قيل كيف ساغ على ذلك تقديم اسمه على اسم الله تعالى في الذكر مع أن الأنبياء عليهم السلام أشد الناس أدباً مع الله تعالى؟ فالجواب ما قيل: إنه كان عادة ملوك الكفر أنه إذا ورد عليهم كتابٌ بما يكرهون ربما مزقوا أعلاه أو تفلوا فيه، فجعل سليمان عليه السلام اسمه تقيةً لاسم الله تعلى فذكره أولاً. ومن هنا اصطلح الكتاب في الكتب الصادرة عن ملوك الإسلام إلى ملوك الكفر بكتابة ألقاب الملك المكتوب عنه في وصل فوق البسملة، تأسياً بسليمان عليه السلام.
أما ما يكتب في طرة الولايات من العهود والتقاليد وغيرها، فإنه في الحقيقة جزء من المكتوب، فلا يوصف بأنه شيء مقدمٌ على البسملة. وأما الطغراة التي كانت توضع في مناشير الإقطاعات في وصلٍ بين وصل الطرة والبسملة فيها ألقاب السلطان على ما سيأتي في الكلام على كتابة المناشير في موضعه إن شاء الله تعالى، فإنها كتابةٌ أجنبيةٌ مكتوبةٌ بخط غير الكاتب فلم تنسب في الحقيقة إلى التقديم. على أن ذلك قد بطل في زماننا، وهاتان المسألتان المتعلقتان بالطغراة المكتوبة في المناشير ومكاتبات أهل الكفر مما سأل عنه الشيخ جمال الدين بن نباتة في رسالته التي كتبها إلى كتاب ديوان الإنشاء بالشام، في مباشرة الشيخ شهاب الدين محمودٍ الحلبي، حين بلغه أن بعضهم وقع فيه.
الأمر الثاني: إفرادها في الكتابة:
قال محمد بن عمر المدائني في كتاب القلم والداوة: ينبغي للكاتب أن يفرد البسملة في سطر وحدها، تبجيلاً لاسم الله تعالى وإعظاماً وتوقيراً له، ثم ساق بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «نهى أن يكتب في سطر بسم الله الرحمن الرحيم غيرها» وعلى هذه الطريقة جرى كتاب الإنشاء في مكاتبتهم وسائر ما يصدر عنهم. أما النساخ وكتاب الوثائق فربما كتبوا بعدها في سطرها الحمد لله أو الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك. وكذلك يكتب القضاة الحمدلة في علامات الثبوت في المكاتيب الشرعية.

.الطرف الثاني في الحمدلة:

لما كان الحمد مطلوباً في أوائل الأمور طلباً للتيمن والتبرك، عملاً بما رواه الراوون لحديث البسملة المتقدم من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: «كل أمرٍ ذي بالٍ لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم» اصطلح الكتاب على الابتداء به في الكثير مما يكتبونه من المكاتبات والولايات وغيرهما مما له شأنٌ وبالٌ، كمكاتبات أكثر الملوك من قانات الشرق، وكل ما تضمن نعمةً من المكاتبات، ونحو ذلك، وكالبيعات والعهود والتقاليد على رأي من يرى افتتاحها بالخطب، وغير ذلك مما يأتي ذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى. بل ربما كرروا الحمد المرات المتعددة إلى السبع في الخطبة الواحدة، على ما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى، وأتوا بالحمد لله بعد البسملة تأسياً بكتاب الله تعالى، من حيث أن البسملة آيةٌ من الفاتحة كما هو مذهب الشافعي رضي الله عنه، أو فاتحةٌ لها وإن لم تكن منها كما هو مذهب غيره. أما سائر المكاتبات والولايات المفتتحة بغير الحمد، فإنما حذف منها الحمد استصغاراً لشأنها، إذ كان الابتداء بالحمد إنما يكون في أمر له بالٌ كما يدل عليه الحديث المتقدم، وسيأتي الكلام على كل شيء من ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى. قال في الصناعتين: وإنما افتتح الكلام بالحمد لأن النفوس تتشوف للثناء على الله تعالى. والافتتاح بما تتشوف النفوس إليه مطلوبٌ. وربما أتى الكتاب بالحمد بعد البعدية فكتبوا: أما بعد حمد الله، أو أما بعد فالحمد لله، فأما الصيغة الأولى فالحمد مقدم فيها معنًى وإن لم يذكر لفظاً لأن قوله أما بعد حمد الله يقتضي تقدم حمد الله، وأما الصيغة الثانية فإنها تقتضي تقدم شيء على الحمد، ولا شك أن المقدم هنا هو البسملة على ما سيأتي في الكلام على أما بعد فيما بعد إن شاء الله تعالى.
ثم قد يستعمل الحمد بصيغة الفعل كقولهم في المكاتبات: فإني أحمد إليك الله. وقد اختلف في أي الصيغتين أبلغ، صيغة الحمد لله، أو صيغة أحمد الله، فذهب المحققون إلى أن صيغة الحمد لله أبلغ، لما فيها من معنى الاستغراق والثبوت والاستمرار على ما هو مقرر في علم المعاني. وذهب ذاهبون إلى أن صيغة أحمد الله أبلغ، لأن القائل الحمد لله حاكٍ لكون الحمد لله، بخلاف القائل أحمد الله فإنه حامدٌ بنفسه، ولذلك يؤتى بالتحميد ثانياً في الخطب بصيغة الفعل.
وله في الاستعمال ثلاث صيغ: الصيغة الأولى يحمده أمير المؤمنين، فيما إذا كان ذلك صادراً عن الخليفة في مكاتبة أو غيرها.
الصيغة الثانية نحمده إما بنون الجمع الحقيقية كما إذا كان ذلك صادراً عن.......... مثل أن يؤتى بذلك في بيعةٍ لخليفةٍ أو نحوها، أو بنون الجمع للتعظيم كما إذا كان ذلك صادراً عن السلطان نحو ما يقع في خطب التقاليد والتواقيع في زماننا.
الصيغة الثالثة أحمده بلفظ الإفراد، كما إذا كان ذلك صادراً عن واحد فقط حيث لا تعظيم له.

.الطرف الثالث في التشهد في الخطب:

قد جرت عادة المتأخرين بالإتيان بالتشهد بعد التحميد في الخطب ويكون تابعاً لصيغة التحميد، فإن كان قد قيل يحمده أمير المؤمنين، قيل بعده: ويشهد، وإن كان قد قيل نحمده، قيل بعده: ونشهد، وإن كان بعد أما بعد حمد الله، قيل والشهادة له بالجر عطفاً على حمد. على أن الخطب الموجودة في مكاتبات المتقدمين لا تشهد فيها. ومستند المتأخرين في ذلك ما رواه أبو داود والترمذي وصححه البيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل خطبةٍ ليس فيها تشهدٌ فهي كاليد الجذماء».

.الطرف الرابع في الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه في أوائل الكتب:

لا نزاع في أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مطلوبةٌ في الجملة، وناهيك في ذلك قوله تعالى في محكم التنزيل: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً} والأحاديث الواردة في الحث على ذلك أكثر من أن تحصر، فناسب أن تكون في أوائل الكتب، تيمناً وتبركاً. وقد جاء في تفسير قوله تعالى: {ورفعنا لك ذكرك} أن المعنى ما ذكرت إلا وذكرت معي. فإذا أتي بالحمد في أول كتابٍ، ناسب أن يؤتى بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في أوله، إتياناً بذكره بعد ذكر الله تعالى. وقد روي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى علي في كتابٍ لم تزل الصلاة جاريةً له ما دام اسمي في ذلك الكتاب». قال الشيخ عماد الدين في تفسيره: إلا أنه ضعيفٌ، ضعفه المحدثون. قال محمد بن عمر المدائني في كتاب القلم والدواة: وقد رأينا بعض الكتاب لا يرى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الكتب، فباءوا بأعظم الوزر مع ما فاتهم من الثواب.
وأما السلام عليه صلى الله عليه وسلم بعد التصلية، فقد قال الشيخ محيي الدين النووي في كتابه الأذكار: وإذا صلى على النبي صلى الله عليه وسلم فليجمع بين الصلاة والتسليم ولا يقتصر على أحدهما فلا يقال صلى الله عليه فقط، ولا عليه السلام فقط. قال الشيخ عماد الدين بن كثير: وهذا منتزع من قوله تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي} الآية.
وأما الصلاة على الآل والصحب بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فقد نقل الشيخ عماد الدين بن كثير في تفسيره الإجماع على جواز الصلاة على غير الأنبياء عليهم السلام بطريق التبعية، مثل أن يقال: اللهم صل على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته ونحو ذلك. ثم قال: وعلى هذا يخرج ما يكتبونه من قولهم: وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه فلا نزاع فيه، وإنما الخلاف في جواز إفراد غير الأنبياء عليهم السلام بالصلاة: فأجازه قوم محتجين بنحو قوله تعالى: {وصل عليهم} وقوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم صل على آل أبي أوفى» ومنعه آخرون احتجاجاً بأن الصلاة صارت شعاراً للأنبياء عليهم السلام فلا يلحق بهم غيرهم، أبو بكر صلى الله عليه وسلم وإن كان المعنى صحيحاً، كما لا يقال: محمد عز وجل، وإن كان عزيزاً جليلاً.
ثم الصحيح من مذهب الشافعي، رضي الله عنه، أن ذلك لا يجوز في غير التبعية. وحكى النووي في الأذكار فيه قولاً بأنه كراهة تحريم، وقولاً بأنه كراهة تنزيه، وقولاً بأنه خلاف الأولى، ورجح كونه كراهة تنزيه، لأنه شعار أهل البدع.
وأما السلام على غير الأنبياء، فحكى النووي عن أبي محمدٍ الجويني منعه في الغائب من حي وميت وأنه لا يفرد به غير الأنبياء، فلا يقال: عليٌّ عليه السلام، بخلاف الحاضر فإنه يخاطب به.
إذا علمت ذلك فالصلاة وتوابعها في أوائل الكتب قد تكون بعد التحميد في الخطبة كما في الولايات والمكاتبات المفتتحة بالخطب من البيعات والعهود والتقاليد والتفاويض والتواقيع والمراسيم وغيرها، وكما في الكتب المفتتحة بالخطب. وقد تكون في صدور المكاتبات المفتتحة بغير الخطب، كما كان يكتب في القديم في صدور المكاتبات وأسأله أن يصلي على محمد عبده ورسوله وهو مما أحدثه الرشيد في المكاتبات. قال في ذخيرة الكتاب: وكان ذلك من أجل مناقبه. وكان الخلفاء الفاطميون بمصر يقولون عن لسان الخليفة: ويسأله أن يصلي على جده محمد، ويخصون الصلاة بعده بأمير المؤمنين علي رضي الله عنه على طريقة الشيعة.

.الطرف الخامس في السلام في أول الكتب:

إنما جعل السلام في ابتداء الكتب وصدورها لأنه تحية الإسلام المطلوبة لتأليف القلوب، فكما أنه يفتتح به الكلام طلباً للتأليف كذلك تفتتح به المكاتبات وتصدر طلباً للتأليف، إذ يقول صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بشيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم! أفشوا السلام بينكم». قال في الصناعتين: وتقول في أول كتابك: سلامٌ عليك وفي آخره والسلام عليك والمعنى فيه أن الأول نكرةٌ إذ لم يتقدم له ذكر والثاني معرفةٌ يشار به إلى السلام الأول على حد قوله تعالى: {كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً فعصى فرعون الرسول} فأتى في الأول بتنكير الرسول وفي الثاني بتعريفه. وكذلك قول تعالى في سورة مريم في قصة يحيى عليه السلام: {وسلامٌ عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حياً} لعدم تقدم ذكر السلام، ثم قال بعد ذلك في قصة عيسى عليه السلام: {والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً} وإلى ذلك يشير أحمد بن يوسف بقوله: اكتب في أول كتابك سلام عليك واجعله تحيةً، وفي آخره والسلام عليك، واجعله وداعاً. وذلك أن سلام التحية يكون ابتداء فيكون نكرةً، وسلام الوداع يكون انتهاءً فيكون معرفةً لرجوعه إلى الأول. وقد كره بعض العلماء أن يقال في الابتداء: عليك السلام، احتجاجاً بما روي عن أبي مكعتٍ الأسدي أنه قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنشدته: [متقارب]
يقول أبو مكعتٍ صادقاً ** عليك السلام أبا القاسم

فقال: يا أبا مكعتٍ عليك السلام تحية الموتى. وجعل ابن حاجب النعمان من ذلك قول عبدة بن الطبيب: [طويل]
عليك سلام الله قيس بن عاصمٍ ** ورحمته ما شاء أن يترحما

قال ابن حاجب النعمان: ويكتب السلام بإسقاط الألف في صدر الكتاب وعجزه. قال أبو جعفر النحاس: وقولهم في أول الكتاب سلامٌ عليك، بالرفع ويجوز فيه النصب والاختيار الرفع وإن كان النحاة قد قالوا: إن ما كان مشتقاً من فعل فالاختيار فيه النصب نحو قولك سقياً لك، لأن معنى السلام في الرفع أعم، إذ ليس يريد أفعل فعلاً، فيكون المعنى تحيةً عليك بنصب تحية. وقيل: سلامٌ عليك بمعنى سلامٌ لك. وسيأتي الكلام على إتباع السلام الرحمة في الكلام على الخواتم فيما بعد إن شاء الله تعالى.

.الطرف السادس في أما بعد:

اعلم أن أما بعد تستعمل في صدور المكاتبات والولايات وربما استعملت في ابتدائها. وهي مركبة من لفظين أحدهما أما والثاني بعد. فأما أما فحرف شرط وبعد ظرف زمان إذا أفرد بني على الضم، قال تعالى: {لله الأمر من قبل ومن بعد} وأجاز الفراء أما بعداً بالنصب والتنوين، وأما بعدٌ بالرفع والتنوين. وأجاز هشام أما بعد بفتح الدال ومنعه النحاس وقال: إنه غير معروف.
ثم أما تقع في كلام العرب لتوكيد الخبر، والفاء لازمةٌ لها لتصل ما بعدها بالحرف الملاصق لما قبلها، فتقول أما بعد أطال الله بقاءك! فإني قد نظرت في الأمر الذي ذكرته. ويجوز أما بعد فأطال الله بقاءك إني نظرت في ذلك، فتثبت الفاء في أطال وإن كان معترضاً لقربه من أما، ويجوز أما بعد فأطال الله بقاءك فإني نظرت، ويجوز أما بعد ثم أطال الله بقاءك فإني نظرت حكى ذلك كله النحاس، ثم قال: وأجودها الأول وهو اختيار النحويين. قال: وأجود منه أما بعد فإني نظرت أطال الله بقاءك. فإن أضيفت بعد إلى ما بعدها فتحت فتقول أما بعد حمد الله ونحو ذلك. قال في ذخيرة الكتاب وإذا كانت بعد البسملة فمعناه أما بعد قولنا بسم الله الرحمن الرحيم فقد كان كذا وكذا.
وقد اختلف في أول من قال أما بعد: فقيل داود عليه السلام، وبه فسر فصل الخطاب في قوله تعالى: {وآتينا الحكم وفصل الخطاب} على أحد الأقوال، وقيل أول من قالها كعب بن لؤي جد النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل أول من قالها قس بن ساعدة الإيادي. قال سيبويه: ومعناه مهما يكن من شيء.

.الفصل الثاني في الخواتم واللواحق:

وفيه سبعة أطراف:

.الطرف الأول في الاستثناء بالمشيئة:

بأن يكتب إن شاء الله تعالى، وفيه جملتان:

.الجملة الأولى في الحث على كتابة إن شاء الله تعالى:

اعلم أنه يستحب للكاتب عند انتهاء ما يكتبه، من مكاتبةٍ أو ولاية أو غيرهما أن يكتب إن شاء الله تعالى تبركاً ورغبةً في نجاح مقصد الكتاب، فقد ورد الحث على التعليق بمشيئة الله تعالى والندب إليه، قال تعالى: {ولا تقولن لشيءٍ إني فاعلٌ ذلك غداً إلا أن يشاء الله}. وذم قوماً على ترك الاستثناء فقال: {إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصر منها مصبحين * ولا يستثنون * فطاف عليها طائفٌ من ربك وهم نائمون * فأصبحت كالصريم} إلى آخر القصة. قال أصحاب السير: كان باليمن رجلٌ له جنةٌ يأخذ منها قوت سنته ويتصدق بالباقي، وكان يترك للمساكين ما أخطأ المنجل من الزرع أو القطاف من العنب والنخل وما بقي على البساط الذي يبسط تحت النخلة، فلما مات شح بنوه على المساكين بما كان يتركه أبوهم وحلفوا على قطعها في الغلس كيلا يدركهم الفقراء، فأصابتها نارٌ في الليل فاحترقت وأصبحت كالصريم يعني الليل المظلم. قال المفسرون: والمراد بقوله: {ولا يستثنون} أنهم لم يقولوا أن شاء الله تعالى. قال الزمخشري: وسمي استثناءً وإن كان بمعنى الشرط لأنه يؤدي مؤدى الاستثناء من حيث أن معنى قولك لأخرجن إن شاء الله ولا أخرج إلا أن شاء الله واحدٌ.
واعلم أن الاستثناء لا يدخل على ماضٍ، فلا يقال: ما فعلت ذلك إن شاء الله، وإنما يدخل على مستقبل فتقول لا أفعل ذلك إن شاء الله، على حد قوله تعالى: {لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين} وكذلك كل ما فيه معنى الاستقبال، كما قال تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام: {وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين} ونحو ذلك.
أما ما ورد من ذلك بلفظ المضي مثل قول القائل لزوجته أنت طالقٌ إن شاء الله فإنه وإن لم يكن مستقبلاً لفظاً، فإنه مستقبلٌ معنًى، إذ معناه الإنشاء وإلا لما وقع به الطلاق. إذا علمت ذلك، فلفظ إن شاء الله تعالى في آخر المكاتبة أو الولاية ونحوهما يكون معلقاً بآخر المكتوب مما يناسب ذلك. كتعلقها بالتأييد من قوله والله تعالى يؤيده بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى، ونحو ذلك.